الصفحات

توأمة التأريخَيْن الهجري والميلادي

 
لقد كان التقويم الميلادي أحد أهم الخيارات المطروحة عندما اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم في وضع تأريخ للمسلمين، فاستحسن الفاروق رضي الله عنه فكرة التأريخ عموماً، لأن التقويم وسيلة وطريقة لحساب التأريخ، وليس مقصداً بحد ذاته، وقد احتاجه الصحابة رضي الله عنهم لتمييز رسائل الدولة فيعرف السابق واللاحق، وبعد تشاور أرخوا بالهجرة دون غيرها من مناسبات عالمية أو إسلامية، وأجمعوا على ذلك منذ عام 17 هـ في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما روى ذلك المؤرخون ومنهم الإمام الطبري -، ليميزوا أمتنا الإسلامية حتى بتقويمها كما تميزت في عقيدتها وفقهها وعباداتها ومعاملاتها وأخلاقها، وليربطوا الأمة وأبناءها بتاريخهم العظيم.
لكن نعرف تماما ان أصل فكرة التقويم ليست إسلامية ولا عربية وإنما هي نتاج تلاقح حضارتنا بغيرها، واقتباسها من ثقافة التراتيب الإدارية للروم والفرس، كون العرب لم يكن لهم تقويم خاص، والحكمة ضالة المؤمن ، وجدها ثم أسلمها.
إن التأريخين الميلادي والهجري توأمان؛ لأسباب عدة، منها:
فأولاً: كلاهما جمع الله بينهما في آية معجزة من سورة الكهف “وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تسعاً” الآية 25 , حيث كانت مدة بقائهم في الكهف 300 عام شمسي وهي تساوي 309 أعوام قمرية، وقدم الشمسي على القمري لأنه اعتمد قبل القمري ولأن أولئك الفتية كان تقويمهم شمسياً.
وثانياً: كلاهما مرتبط بآخر وخاتم رسولين من رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فالعام الهجري مرتبط بهجرة خاتم الرسل والأنبياء للبشرية جمعاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو حدَث ثابت بالكتاب والسنة ومتفق على زمنه تاريخياً، أما الميلادي فمرتبط بولادة آخر الأنبياء والمرسلين لبني إسرائيل “الخراف الضالة”، وهو حدَث ثابت، ولكن غير متفق على تحديد زمنه تاريخياً، “متى ولد المسيح عليه الصلاة والسلام”.
وثالثاً: كلاهما مرتبط بآية إلهية كونية، وقد قال الله تعالى “الشمس والقمر بحسبان”الرحمن:5، فتقويمنا الهجري مرتبط بحركة القمر، وبحركته ترتبط معظم شعائرنا وعباداتنا، كصيام رمضان والعيدين ويوم عرفة وأيام التشريق، والأيام البيض والستة من شوال، والحج وعمرته، والزكاة وحولها، وعدة المطلقة والأرملة، وتحري الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وتاسوعاء وعاشوراء، وصلاة خسوف القمر، والكفارات، والثلث الأخير من الليل، ووقت السحر والسحور، …إلخ، أما التقويم الشمسي فمرتبط بحركة الشمس، وبحركتها ترتبط مجموعة أخرى من العبادات والطاعات ،كصلاة الضحى والظهر والعصر والمغرب وصلاة كسوف الشمس وموعد صلاة العيدين وصدقة الفطر وأول وقت الأضحية وموعد إفطار الصائم وبداية الليل والإفاضة من عرفة ودخولها قبل ذلك ورمي الحاج للجمرات، …إلخ.
ومن نعمة الله وفضله أن التقويمين لا يتطابقان، وذلك حتى يتمكن المسلم من أداء طاعاته في كل لحظة من لحظات الزمن بتقويميه، فيصوم في الفصول الأربعة، ويستفيد من الطول والقصر، والدفء والبرد، وهكذا دواليك.
ورابعاً: كلاهما شهوره اثنا عشر شهراً، وهذا تقسيم الله مذ خلق السموات والأرض، مع اختلاف في أسمائها وعدم اقترانها، ومع إقراري بأن القرآن الكريم ركز على العام الذي فيه الأشهر الحرم، وهي غير موجودة في التقويم الشمسي ترتيباً وغير موجودة اسماً، والتي اعتبرها ربنا سبحانه وتعالى كلها ممثلة للدين القيم، ونهانا فيها عن ظلم أنفسنا وغيرنا، ومع عدم إقراري لبعض أسماء الشهور الشمسية ذات الطابع الوثني، وعدم إقراري بدقة أعداد أيامها.
بقلم نضال العبادي نائب أسبق ومحام شرعي.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

0 commentaires:

إرسال تعليق

إنشرها على :

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites